بريطانيا تعود الى اليمن بضوء اخضر أمريكي وعلى حساب النفوذ السعودي
2 يونيو، 2016
982 29 دقائق
يمنات
محمد المقالح
نشاط دبلوماسي غير مسبوق يقوده وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند وسفيره في اليمن السيد أدمنود فيون براون للضغط على السعودية والإمارات وأطراف المفاوضات اليمنية باتجاه إنجاح الحل السلمي والتوصل الى اتفاق مبدئي قبل شهر رمضان في المفاوضات التي ترعاها دولة الكويت بالتنسيق مع السعودية.
في تصريحاته التي ادلى بها السيد هاموند تباعا في الرياض والكويت حذر جميع أطراف الازمة اليمنية وفي مقدمتها كل من السعودية وانصار الله كطرفين اساسيين في هذه الحرب من خطورة فشل مفاوضات الكويت على الاقتصاد اليمني وامن واستقرار المملكة سواء بسواء وهي ذاتها التحذيرات تقريبا التي وردت في مقال بالغ الاهمية كتبه سفيره بصنعاء السيد ادموند .قبل يومين في صحيفة الحياة السعودية .
بريطانيا وهي التي تعتبر نفسها معنية بالملف اليمني اكثر من اي طرف دولي اخر وربما اكثر من اي طرف اقليمي ايضا باعتبارها دولة احتلال سابقة لأجزاء واسعة من اليمن (اليمن الجنوبي سابقا) تعتمد في ضغطها السياسي على أنصار الله باثارة المخاوف والمبالغة فيها ” من امكانية انهيار اقتصادي وشيك ” وما سيخلفه ذلك من كارثة انسانية على غالبية السكان اليمنيين الذين يعانون من الفقر والحصار والصراعات والحروب .
وتضغد في المقابل على السعودية من خطورة فشل التفاهمات التي جرت بينها وبين أنصار الله في ظهران الجنوب وهو ما يعني وفقا لسياق الدبلماسية البريطانية خطرا حقيقيا على أمن المملكة ودوّل الخليج عموما خصوصا اذا شعر اليمنيون ان لا خيار أمامهم سوى مواصلة الحرب داخل العمق السعودي هو ما لوح به رئيس “السياسي” لانصار الله صالح الصماد في اول تهديد جدي على إمكانية نفاد صبر اليمنيين اذا تواصلت الحرب السعودية مع تواصل التامر على ضرب الجبهة الداخلية عبر أضعاف قيمة العملة المحلية الذي بدا متزامنا مع بدء مفاوضات الكويت .
والخلاصة بريطانيا تعرف ان جميع الاطراف منهكة من حرب طال بها الوقت لاكثر من عام وعلى خلاف توقعات السعودية وكل حلفائها وتعرف جيدا ان الحرب غير المتكافئة فد خلفت خسائر واثار بالغة على جميع الاطراف المتقاتلة وعلى ملايين السكان الابرباء ايضا وان كل طرف يبحث اليوم عن حل او هدنة يستعيد فيها انفاسه وان كان انصار الله اقل الاطراف خوفا على ما سيخسرونه من استمرار الحرب اي انها تضغط وفي لحظة مؤاتية على او جاع الجميع وتعتقد – وهي على حق – ان الضغط على كل الاطراف في هذه اللحظة بالذا سيؤتي اكله حتما في التوصل الى اتفاق سياسي ولو جزئي عبرالتوقع على اتفاق مبدئي تعرف ان خطوطه العريضة قد رسمت في ظهران الجنوب ويبدو ان السعودية كانت تسعى للتنصل منه او لكسب تنازلات اخرى الى جانب ما قد حققته ثنائيا قبل مفاوضات الكويت عبر استمرار الحرب والتفاوض معا وهو ما كان سيهدد بانهيار المفاوضات بالفعل وبالتالي سقوط تلك التفاهمات خصوصا بعد تصريحات قوية هدد بها انصار الله بالعودة الى ما قبل التهدئة.
لقد كان واضحا ان وزير الخارجية البريطاني وصل الكويت في هذه الاجواء المتوترة وقبل ربع الساعة الاخيرة من اعلان الفشل وقد نجحت بالفعل زيارة الوزير البريطاني الى الرياض والكويت ولقائه بكل الاطراف وهو ما يفسر خلفية تسريب معالم اتقاف مبدئي وعام مساء الثلاثاء وبعد مغادرة الوزير البريطاني لمطار الكويت بساعات قليلة !
لماذا بريطانيا وفي هذه اللحظة بالذات !؟
الدبلوماسية البريطانية حذرة ومتأنية ولا تقدم على خطوة علنية وكبيرة بحجم الدخول القوي كلاعب رئيسي في الازمة اليمنية الا بعد ان تقرأ كل المؤشرات الدولية والإقليمية والمحلية وبعد الحصول على إشارات جدية توكد حاجة أطراف بعينها للدور البريطاني والتاكد من وجود فراغ حقيقي لدور دولي فاعل ومؤثر في احداث اليمن .
والاشك ان الإنجليز وهم الأكثر معرفة بالمنطقة العربية عموما وبالخليج واليمن خصوصا قد وجدوا الوقت مناسبا وقد حصلوا وبطريقتهم الخاصة على ضوء اخضر أمريكي للقيام بهذا الدور الذي يبدو ان أمريكا تريده نيابة عنها اما بسبب انكفائها عن الحضور السابق في الخليج والشرق الأوسط مقابل انشغالها بمصالحها الحيوية في اسيا وجنوب شرق اسيا والصين في ضَل تنامي الاقتصاد الصيني وتهديده الجدي لقوة الاقتصاد والنفوذ الامريكي خلال العشرين السنة القادمة او بسبب عدم قدرتها وعدم رغبتها على مواصلة دور الراعي والحامي لملوك السعودية ومشيخات الخليج في سن شيخوخة انظمتها المتهالكة وبوادر انهيارها من الداخل وبعد ان لفلفت وجودها في العراق وحلت او كادت مشكلتها مع ايران وقبلت بدور روسي مشترك في سورية .
اي ان ضعف وتراجع اطراف التأثير السابق في اليمن بدا من السعودية والإمارات مرورا بموقف ودور الولايات المتحدة الامريكية فضلا عن قوة او ضعف اللاعبين المحليين وسقوط او انهيار الاخوان وحلفاء السعودية التقليديين مقابل صعود قوى جديدة يمكن البناء على واقعها والاتفاق معها في تحديد او رسم هذا الدور البريطاني العائد بقوة للعب دور مؤثر في اليمن والخليج . والخلاصة بريطانيا قادمة وجاءات لتسهم في تحديد مسار اليمن السياسي والجيو بولتيكي (جيو سياسي) لليمن والسعودية والذي ستتمخض عنه الحرب السعودية وصراعات الأطراف اليمنية المختلفة !
بريطانا ووفقا لما يفهم من تصريحات وزير خارجيتها لعدد من وسائل الاعلام العربية ومقال سفيرها في صنعاء والمنشور بصحيفة الحياة قادمة الى اليمن وهي تراهن على دور فاعل وأساسي للقوى الصاعدة في المحافظات الشمالية والوسطى والغربية مقابل المراهنة على فصائل في المقاومة والحراك الجنوبي اولا والتباين السعودي الاماراتي في المحافظات الجنوبية والشرقية ثانيا وبما يسهم وتسهم بريطانيا في الحصول ضمن المعطيات المتوفرة على اتفاق سياسي هش يعيد بناء السلطة في صنعاء على اساس قوة الاطراف في الشمال والجنوب على الارض ويبذر في نفس الوقت عوامل اضعافها وهي ليست سياسة بريطانية محضة بل ان واقع انتهاء المعارك حيثما هي يسهم في هذا التصور للحل اكثر من اي سياسة اومؤامرة مسبقة .
بريطانيا اذا تعود بقوة الى الساحة اليمنية سياسيا وأمنيا وعسكريا ولكن اقتصاديا ايضا وعناوينها الى ذلك هي ثلاثة عناوين كبيرة هي :-
– العنوان لأول هو نجاح الحل السلمي بطريقة لا تنهي الأزمة نهائيا الا بقدر ما تمنح المتقاتلين فرصة لاستعادة انفاسهم ولكي تاتي الجولات القادمة وفقا لخارطة طريق متفق عليها سلفا وتهيىء للدور البريطاني في الجنوب والتاثير في الشمال وبما يسهم في تاثير مشوراتها وسياساتها في تحديد مصير اليمن لاحقا .
– العنوان الثاني هو الملف الاقتصادي وإعادة الإعمار وضمان دور فاعل لها ولشركاتها في الاستحواذ على نصيب وافر من الأموال الخليجية في اعادة الاعمار وهذا هو الملف الاهم حيث تضغط بريطانيا من خلاله عبر مسارين متوازيين الاول هو التحذير من الماساة والكارثة الانسانية التي سيخلفها هذا الانهيار المزعوم وكأن اليمن ليست في حالة انهيار اقتصادي منذ ما قبل الحرب بسنوات وليس فقط من اليوم والثاني هو مسار اعادة الاعمار ودور شركاتها في هذا الامر وعلى وجه الخصوص في المحافظات الجنوبية وهي لذلك تضغط على السعودية والامارات لرصد مبالغ محددة لاعادة الاعمار كجزء من اتفاق الحل السلمي .
-العنوان الثالث هو المشاركة البريطانية الامريكية الاماراتية الحراكية في الحرب على الاٍرهاب في المحافظات الجنوبية وضرورة بناء جيش مدرب ومسلح في الجنوب لحماية القوى الجنوبية من التنظيمات المتطرفة ومنع انتشارها خارج الجنوب واليمن عموما وحتى لا يهدد ذلك امن ومصالح العالم والعالم الغربي تحديدا .
ولا باس ان يكون من مهام هذا الجيش المحتمل هو حماية دولة “الاستقلال” فيما اذا وافقت الأطراف الشمالية على ما يخطط له من انفصال الجنوب باسم الاستقلال السلمي المتدرج بدا من الحرص على تثبت خطوط القتال في الحدود الشطرية اولا والضغط من اجل الموافقة على دستور فدرالي يقسم اليمن الى ثلاثة او أربعة أقاليم بينها إقليمين في الجنوب وانتهاء بالاستفتاء على الاستقلال بعد خمس سنوات على الأقل تكون خلالها السلطة المركزية الهشة بصنعاء داعما أساسيا لبناء وتاهيل الجنوب لينال استقلاله فيما بعد ضمن صيغة معينة تضمن علاقات خاصة بين أقاليم الشمال والجنوب والخليج .
تلك هي عناوين عودة بريطانيا القوي الى الجنوب واليمن عموما وهي لذلك ستحرص على تنمية وتعزيز علاقاتها مع أنصار الله والمؤتمر الشعبي في الشمال والحراك وبعض فصائل السلفيين في الجنوب ومن خلال ظهورها كطرف دولي وحيد يضغط على الحل السلمي وعلى اشراك أنصار الله والحراك بقوة في اي سلطة انتقالية بحكم الامر الواقع وعلى أساس اتفاق السلم والشراكة والضغط على السعودية بضرورة تقديم تنازلات جدية تسهم في اعادة إعمار مادمرته الحرب وتحفظ بعض كرامة اليمنيين وتعترف بحقهم في بناء دولتهم المستقلة !
وفي هذا السياق وسواء اعترفت بريطانيا بذلك او نفت فان الدور التي ستعمل عليه في اليمن يعتمد على تقسيم اليمن توافقيا لا قسرا من ناحية والانتقاص من النفوذ السعودي لصالح اللاعبين الجدد في الشمال والجنوب معا وبما يجعلها وبالتعاون مع بعض القوى الاقليمية كطهران ومسقط وغيرهما لتكون بريطانيا هي اللاعب الرئيسي في اليمن وفي السعودية وبعض دول الخليج بدلا من وظيفة السعودية في اليمن من ناحية ومن دور امريكا في اليمن و التي عجزت ان توجد لنفسها سياسة واضحة وبنفس الطريقة البريطانية السابقة تقريبا مع الاخذ بالحسبان طبيعة المرحلة وتغير اللاعبين المحليين والاقليميين .
بريطانيا العظمى ابان احتلالها للجنوب اليمني ومعظم الدول العربية كانت تعتمد في سياستها ضد الامام يحيى على دعم الدولة السعودية الوهابية ضد الدولة الزيدية اليمنية في شمال اليمن وبما يقلل من مخاوف الدولة السعودية الوهابية من ناحية ويعزز حاجتها الى الحماية البريطانية من ناحية اخرى .
في المقابل كانت تدعم وتقوي مشيخات الجنوب وعملت كيان كنفدرالي بديلا لوحدة اليمن وبهدف تحشيد هذه الكيانات ضد الشمال الامامي الرافض حينها للهيمنة السعودية والبريطانية تلك هي سياستها في الماضي ولم تتوحد اليمن الا بعد سنوات خروجها من الجنوب وسقوط الحاجز المذهبي للوحدة بسقوط دولة بيت حميد الدين فهل تكون سياستها اليوم هي ذاتها سياستها بالامس مع تبدل المواقع والادوار .
اي دعم قيام كيان سياسي ديني في شمال اليمن ذا صبغة مذهبية يقلق امن السعودية مقابل اقامة كيان سياسي مناطقي في جنوب اليمن يقلق امن اليمن ويوسس للانفصال بين الشمال والجنوب على اساس الكراهية والمناطقية والمذهبية معا اي وفقا لسياستها العتيدة والشهيرة “فرق تسد !”
ولكن السؤال هو هل المشكلة اليمنية بهذا التبسيط الذي تطرحه السياسة البريطانية ان جاز ان نقول بان هذه هي سياستها اليوم !؟
وجهة نظري ان ثمة تبسيط في التحليل اذا ما اعتقدت اي دولة ومنها بريطانيا بان ملفات الحرب والسلام اولا والتعويض وإعادة الإعمار ثانيا ومحاربة الاٍرهاب وبناء الانفصال على خلفية ابدال احتلال باخر ثالثا ليست مرشحة للحل او الحد من اثراها على اليمن والمنطقة والعالم بمجرد ضغط بريطانيا لانجاح مفاوضات الكويت وان اي اتفاق يخرج به المفاوضون قبل شهر رمضان وهذه هو الاحتمال الاكبر فيسكون هشا وغير واقعي ولن يحل الازمة بقدر ما سيعقدها ليس لان المفاوضات تقوم على تغطية اكبر جريمة في العصر وهو العدوان السعودي السافر وتقديم الازمة على انها يمنية محلية وحسب بل ولان الوقائع على الارض لا تسمح بتطبيق اي اتفاق سياسي لا يعتمد هذه الحقائق القائمة .
*اختم بالقول ان بريطانيا لم تستفد رغم خبرتها ودهائها من درس احتلالها للجنوب لمدة ١٨٢عاما والدليل انها لا تزال تراهن كالسعودية على إمكانية العودة الى الساحة اليمنية بقوة من خلال شراء ولاء اكبر الأطراف الصاعدة ممثلة بانصار الله وبعد مشاركتهما معا (السعودية وبريطانيا) في حرب عدوانية بربرية على انصار الله وعلى اليمن عموما طوال عام ونيف كانت فيها بريطانيا تزود الطيران السعودية بالاسلحة المحرمة هذا اولا .
*وثانيا اعتقد جازما ان كل التحليلات التي تعتمدعلى ان قوة انصار الله قوة مذهبية او طائفية ليست دقيقة ابدا والحقيقة ان حركة انصار الله لم تكون كذلك -بهذه القوة- الا بسبب نزعتها الاستقلالية ودفاعها عن بلادها واستقلالها ضد العدوان الخارجي على بلدها وحين تخاذلت بقية الأطراف ونيابة عن كل اليمنيين وستنتهي قوتها وتأثيرها تماما بمجرد قبولها الارتهان للخارج او رهن بلدها لنفوذ هذا الطرف الإقليمي او هذا الطرف الدولي بغض النظر عن انتمائها المذهبي او المناطقي .